responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 482
[سُورَة الْبَقَرَة (2) : آيَة 47]
يَا بَنِي إِسْرائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعالَمِينَ (47)
أُعِيدَ خِطَابُ بَنِي إِسْرَائِيلَ بِطَرِيقِ النِّدَاءِ مُمَاثِلًا لِمَا وَقَعَ فِي خِطَابِهِمُ الْأَوَّلِ لِقَصْدِ التَّكْرِيرِ لِلِاهْتِمَامِ بِهَذَا الْخِطَابِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْخِطَابَ الْأَوَّلَ قُصِدَ مِنْهُ تَذْكِيرُهُمْ بِنِعَمِ اللَّهِ تَعَالَى لِيَكُونَ ذَلِكَ التَّذْكِيرُ دَاعِيَةً لِامْتِثَالِ مَا يَرِدُ إِلَيْهِمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ أَمْرٍ وَنَهْيٍ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، غَيْرَ أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْغَرَضُ الْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ هُوَ الِامْتِثَالَ كَانَ حَقُّ الْبَلَاغَةِ أَنْ يُفْضِيَ الْبَلِيغُ إِلَى الْمَقْصُودِ وَلَا يُطِيلَ فِي الْمُقَدِّمَةِ، وَإِنَّمَا يُلِمُّ بِهَا إِلْمَامًا وَيُشِيرُ إِلَيْهَا إِجْمَالًا، تَنْبِيهًا بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى الْمَقْصُودِ عَلَى شِدَّةِ الِاهْتِمَامِ بِهِ وَلَمْ يَزَلِ الْخُطَبَاءُ وَالْبُلَغَاءُ يَعُدُّونَ مِثْلَ ذَلِكَ مِنْ نَبَاهَةِ الْخَطِيبِ وَيَذْكُرُونَهُ فِي مَنَاقِبِ وَزِيرِ الْأَنْدَلُسِ مُحَمَّدِ بْنِ الْخَطِيبِ السَّلْمَانِيِّ إِذْ قَالَ عِنْدَ سِفَارَتِهِ عَنْ مَلِكِ غَرْنَاطَةَ إِلَى مَلِكِ الْمَغْرِبِ ابْنِ عَنَانٍ أَبْيَاتَهُ الْمَشْهُورَةَ الَّتِي ارْتَجَلَهَا عِنْدَ الدُّخُولِ عَلَيْهِ طَالِعُهَا:
خَلِيفَةَ اللَّهِ سَاعَدَ الْقدر ... علاك مالاح فِي الدُّجَا قَمَرُ
ثُمَّ قَالَ:
وَالنَّاسُ طُرًّا بِأَرْضِ أَنْدَلُسٍ ... لَوْلَاكَ مَا وَطِنُوا وَلَا عَمِرُوا

وَقَدْ أَهَمَّتْهُمْ نُفُوسُهُمُ ... فَوَجَّهُونِي إِلَيْكَ وَانْتَظَرُوا
فَقَالَ لَهُ أَبُو عَنَانٍ: مَا تَرْجِعُ إِلَيْهِمْ إِلَّا بِجَمِيعِ مَطَالِبِهِمْ وَأَذِنَ لَهُ فِي الْجُلُوسِ فَسَلَّمَ عَلَيْهِ. قَالَ الْقَاضِي أَبُو الْقَاسِمِ الشَّرِيفُ [1] - وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ الْوَفْدِ- لَمْ نَسْمَعْ بِسَفِيرٍ قَضَى سِفَارَتَهُ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ عَلَى السُّلْطَانِ إِلَّا هَذَا.
فَكَانَ الْإِجْمَالُ فِي الْمُقَدِّمَةِ قَضَاءً لِحَقِّ صَدَارَتِهَا بِالتَّقْدِيمِ وَكَانَ الْإِفْضَاءُ إِلَى الْمَقْصُودِ قَضَاءً لِحَقِّهِ فِي الْعِنَايَةِ، وَالرُّجُوعُ إِلَى تَفْصِيلِ النِّعَمِ قَضَاءً لِحَقِّهَا مِنَ التَّعْدَادِ فَإِنَّ ذِكْرَ النِّعَمِ تَمْجِيدٌ لِلْمُنْعِمِ وَتَكْرِيمٌ لِلْمُنْعَمِ عَلَيْهِ وَعِظَةٌ لَهُ وَلِمَنْ يُبْلِغُهُمْ خَبَرَ ذَلِكَ تَبْعَثُ عَلَى الشُّكْرِ.

[1] هُوَ أَبُو الْقَاسِم مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد الْحُسَيْنِي السبتي ثمَّ الغرناطي قَاضِي غرناطة الْمُتَوفَّى سنة 760 هـ وَله الشَّرْح الْمَشْهُور على مَقْصُورَة حَازِم القرطاجني.
نام کتاب : التحرير والتنوير نویسنده : ابن عاشور    جلد : 1  صفحه : 482
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست